كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ورُوي أنها قالت: إن لي صبية صغارًا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إليّ جاعوا.
فقال صلى الله عليه وسلم: «ما عندي في أمرك شيء» وروي أنه قال لها: «حرمت عليه» فقالت: يا رسول الله ما ذكر طلاقًا وإنما هو أبو ولدي وأحب الناس إليّ.
فقال: حرمت عليه فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووجدي فكلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حرمت عليه» هتفت وشكت فنزلت {في زَوْجِهَا} في شأنه ومعناه {وَتَشْتَكِى إِلَى الله} تظهر ما بها من المكروه {والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُما} مراجعتكما الكلام من حار إذا رجع {إِنَّ الله سَمِيعٌ} يسمع شكوى المضطر {بَصِيرٌ} بحاله {الذين يظاهرون} عاصم {يظَّهرون}: حجازي وبصري غيرهم {يظاهرون} وفي {مّنكُمْ} توبيخ للعرب لأنه كان من أيمان أهل جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم {مِن نّسَائِهِمْ} زوجاتهم {مَّا هُنَّ أمهاتهم} أمهاتهم المفضل، الأول حجازي والثاني تميمي {إِنْ أمهاتهم إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ} يريد أن الأمهات على الحقيقة الوالدات والمرضعات ملحقات بالوالدات بواسطة الرضاع، وكذا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيادة حرمتهن، وأما الزوجات فأبعد شيء من الأمومة فلذا قال: {وَإِنَّهُمْ لَيَقولونَ مُنكَرًا مّنَ القول} تنكره الحقيقة والأحكام الشرعية {وَزُورًا} وكذبًا باطلًا منحرفًا عن الحق {وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} لما سلف منهم.
{والذين يظاهرون مِن نّسَائِهِمْ} بين في الآية الأولى أن ذلك من قائله منكر وزور، وبين في الثانية حكم الظهار {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالواْ} العود الصيرورة ابتداء أو بناء فمن الأول قوله تعالى: {حتى عَادَ كالعرجون القديم} [يس: 39].
ومن الثاني: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8] ويعدى بنفسه كقولك: عدته إذا أتيته وصرت إليه، وبحرف الجر بـ (إلى) وعلى وفي واللام كقوله: {وَلَوْ رُدُّواْ لعادوا لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [الأنعام: 28] ومنه {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالواْ} أي يعودون لنقض ما قالوا أو لتداركه على حذف المضاف، وعن ثعلبة: يعودون لتحليل ما حرموا على حذف المضاف أيضًا غير أنه أراد بما قالوا ما حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار تنزيلًا للقول منزلة المقول فيه كقوله: {وَنَرِثُهُ مَا يَقول} [مريم: 80] أراد المقول فيه وهو المال والولد.
ثم اختلفوا أن النقض بماذا يحصل؟ فعندنا بالعزم على الوطء وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة، وعند الشافعي بمجرد الإمساك وهو أن لا يطلقها عقيب الظهار.
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} فعليه اعتاق رقبة مؤمنة أو كافرة ولم يجز المدبر وأم الولد والمكاتب الذي أدى شيئًا {مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} الضمير يرجع إلى ما دل عليه الكلام من المظاهر والمظاهر منها.
والمماسة الاستمتاع بها من جماع أو لمس بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة {ذلكم} الحكم {تُوعَظُونَ بِهِ} لأن الحكم بالكفارة دليل على ارتكاب الجناية فيجب أن تتعظوا بهذا الحكم حتى لا تعودوا إلى الظهار وتخافوا عقاب الله عليه {والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} والظهار أن يقول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي.
وإذا وضع موضع أنت عضوًا منها يعبر به عن الجملة أو مكان الظهر عضوًا آخر يحرم النظر إليه من الأم كالبطن والفخذ، أو مكان الأم ذات رحم محرم منه بنسب أو رضاع أو صهر أو جماع نحو أن يقول: أنت عليّ كظهر أختي من الرضاع، أو عمتي من النسب، أو امرأة ابني، أو أبي أو أم امرأتي أو ابنتها فهو مظاهر، وإذا امتنع المظاهر من الكفارة للمرأة أن ترافعه، وعلى القاضي أن يجبره على أن يكفر وأن يحبسه، ولا شيء من الكفارات يجبر عليه ويحبس إلا كفارة الظهار لأنه يضر بها في ترك التكفير.
والامتناع من الاستمتاع فإن مس قبل أن يكفر استغفر الله ولا يعود حتى يكفر، وإن أعتق بعض الرقبة ثم مس عليه أن يستأنف عند أبي حنيفة رضي الله عنه.
{فَمَن لَّمْ يَجِدْ} الرقبة {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} فعليه صيام شهرين {مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ} الصيام {فَإِطْعَامُ} فعليه إطعام {سِتّينَ مِسْكِينًا} لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاع من غيره، ويجب أن يقدمه على المسيس ولكن لا يستأنف إن جامع في خلال الإطعام {ذلك} البيان والتعليم للأحكام {لّتُؤْمِنُواْ} لتصدقوا {بالله وَرَسُولِهِ} في العمل بشرائعه التي شرعها من الظهار وغيره ورفض ما كنتم عليه في جاهليتكم {وَتِلْكَ} أي الأحكام التي وصفنا في الظهار والكفارة {حُدُودَ الله} التي لا يجوز تعديها {وللكافرين} الذين لا يتبعونها {عَذَابٌ أَلِيمٌ} مؤلم {إِنَّ الذين يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ} يعادون ويشاقون {كُبِتُواْ} أخزوا وأهلكوا {كَمَا كُبِتَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} من أعداء الرسل {وَقَدْ أَنزَلْنَا ءايات بينات} تدل على صدق الرسول وصحة ما جاء به {وللكافرين} بهذه الآيات {عَذَابٌ مُّهِينٌ} يذهب بعزهم وكبرهم {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ} منصوب بـ {مُّهِينٌ} أو بإضمار (اذكر) تعظيمًا لليوم {الله جَمِيعًا} كلهم لا يترك منهم أحدًا غير مبعوث أو مجتمعين في حال واحدة {فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ} تخجيلًا لهم وتوبيخًا وتشهيرًا بحالهم يتمنون عنده المسارعة بهم إلى النار لما يلحقهم من الخزي على رؤوس الأشهاد {أحصاه الله} أحاط به عددًا لم يفته منه شيء {وَنَسُوهُ} لأنهم تهاونوا به حين ارتكبوه وإنما تحفظ معظمات الأمور {والله على كُلّ شيء شَهِيدٌ} لا يغيب عنه شيء.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا في السماوات وَمَا في الأرض مَا يَكُونُ} من (كان) التامة أي ما يقع {مِن نجوى ثلاثة} النجوى التناجي وقد أضيفت إلى ثلاثة أي من نجوى ثلاثة نفر {إِلاَّ هُوَ} أي الله {رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أدنى} ولا أقل {مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ} يعلم ما يتناجون به ولا يخفى عليه ما هم فيه وقد تعالى عن المكان علوًا كبيرًا وتخصيص الثلاثة والخمسة لأنها نزلت في المنافقين وكانوا يتحلقون للتناجي مغايظة للمؤمنين على هذين العددين.
وقيل: ما يتناجى منهم ثلاثة ولا خمسة ولا أدنى من عدديهم ولا أكثر إلا والله معهم يسمع ما يقولون، ولأن أهل التناجي في العادة طائفة من أهل الرأي والتجارب، وأول عددهم الاثنان فصاعدًا إلى خمسة إلى ستة إلى ما اقتضته الحال، فذكر عز وعلا الثلاثة والخمسة وقال: {وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ} فدل على الاثنين والأربعة، وقال: {وَلاَ أَكْثَرَ} فدل على ما يقارب هذا العدد {أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ القيامة} فيجازيهم عليه {إِنَّ الله بِكُلّ شيء عَلِيمٌ}.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نُهُواْ عَنِ النجوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ويتناجون بالإثم والعدوان وَمَعْصِيَتِ الرسول} كانت اليهود والمنافقون يتناجون فيما بينهم ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين ويريدون أن يغيظوهم ويوهموهم في نجواهم وتغامزهم أن غزاتهم غلبوا وأن أقاربهم قتلوا، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعادوا لمثل فعلهم وكان تناجيهم بما هو إثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول ومخالفته، {وينتجون} حمزة وهو بمعنى الأول {وَإِذَا جَاءوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ الله} يعني أنهم يقولون في تحيتك: السام عليك يا محمد.
والسام الموت والله تعالى يقول: {وسلام على عِبَادِهِ الذين اصطفى} (النمل: 59)، {يا أيّها الرسول} [المائدة: 67]، {يا أيّها النبى} [الأحزاب: 1] {وَيَقولونَ في أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذّبُنَا الله بِمَا نَقول} أي يقولون فيما بينهم لو كان نبيًا لعاقبنا الله بما نقوله فقال الله تعالى: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} عذابًا {يَصْلَوْنَهَا} حال أي يدخلونها {فَبِئْسَ المصير} المرجع جهنم.
{يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ} بألسنتهم وهو خطاب للمنافقين والظاهر أنه خطاب للمؤمنين {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تتناجوا بالإثم والعدوان وَمَعْصِيَتِ الرسول} أي إذا تناجيتم فلا تشبهوا باليهود والمنافقين في تناجيهم بالشر {وتناجوا بالبر} بأداء الفرائض والطاعات {والتقوى} وترك المعاصي {واتقوا الله الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} للحساب فيجازيكم بما تتناجون به من خير أو شر {إِنَّمَا النجوى} بالإثم والعدوان {مِنَ الشيطان} من تزيينه {لِيَحْزُنَ} أي الشيطان وبضم الياء: نافع {الذين ءامَنُواْ وَلَيْسَ} الشيطان أو الحزن {بِضَارّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ الله} بعلمه وقضائه وقدره {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} أي يكلون أمرهم إلى الله ويستعيذون به من الشيطان.
{يا أيّها الذين ءامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ في المجالس} (في المجلس) توسعوا فيه، {في المجالس} عاصم ونافع والمراد مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يتضامون فيه تنافسًا على القرب منه وحرصًا على استماع كلامه.
وقيل: هو المجلس من مجالس القتال وهي مراكز الغزاة كقوله: {مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران: 121].
مقاتل في صلاة الجمعة {فافسحوا} فوسعوا {يَفْسَحِ الله لَكُمْ} مطلق في كل ما يبتغي الناس الفسحة فيه من المكان والرزق والصدر والقبر غير ذلك {وَإِذَا قِيلَ انشزوا} انهضوا للتوسعة على المقبلين، أو انهضوا عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرتم بالنهوض عنه، أو انهضوا إلى الصلاة والجهاد وأعمال الخير {فَانشُزُواْ} بالضم فيهما: مدني وشامي وعاصم غير حماد {يَرْفَعِ الله الذين ءامَنُواْ مِنكُمْ} بامتثال أوامره وأوامر رسوله {والذين أُوتُواْ العلم} والعالمين منهم خاصة {درجات والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} وفي الدرجات قولان: أحدهما في الدنيا في المرتبة والشرف، والآخر في الآخرة.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا قرأها قال: يا أيها الناس افهموا هذه الآية ولترغبكم في العلم، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب» وعنه صلى الله عليه وسلم: «عبادة العالم يومًا واحدًا تعدل عبادة العابد أربعين سنة» وعنه صلى الله عليه وسلم: «يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء» فأعظم بمرتبة هي واسطة بين النبوة والشهادة بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم! وعن ابن عباس رضي الله عنهما: خير سليمان عليه السلام بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام يا إبراهيم إني عليم أحب كل عليم» وعن بعض الحكماء: ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم، وأي شيء فات من أدرك العلم.
وعن الزبيري: العلم ذكر فلا يحبه إلا ذكورة الرجال، والعلوم أنواع فأشرها أشرفها معلومًا.
{يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِذَا ناجيتم الرسول} إذا أردتم مناجاته {فَقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نجواكم صَدَقَةً} أي قبل نجواكم وهي استعارة ممن له يدان كقول عمر رضي الله عنه: من أفضل ما أوتيت العرب الشعر يقدمه الرجل أمام حاجته فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم يريد قبل حاجته {ذلك} التقديم {خَيْرٌ لَّكُمْ} في دينكم {وَأَطْهَرُ} لأن الصدقة طهرة {فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ} ما تتصدقون به {فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} في ترخيص المناجاة من غير صدقة.
قيل: كان ذلك عشر ليال ثم نسخ.
وقيل: ما كان إلا ساعة من نهار ثم نسخ.
وقال علي رضي الله عنه: هذه آية من كتاب الله ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي، كان لي دينار فصرفته فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر مسائل فأجابني عنها.
قلت: يا رسول الله ما الوفاء؟ قال: «التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله» قلت: وما الفساد؟ قال: «الكفر والشرك بالله» قلت: وما الحق؟ قال: «الإسلام والقرآن والولاية إذا انتهت إليك» قلت: وما الحيلة؟ قال: «ترك الحيلة» قلت: وما عليّ؟ قال: «طاعة الله وطاعة رسوله» قلت: وكيف أدعو الله تعالى؟ قال: «بالصدق واليقين» قلت: وماذا أسأل الله؟ قال: «العافية» قلت: وما أصنع لنجاة نفسي؟ قال: «كل حلالًا وقل صدقًا» قلت: وما السرور؟ قال: «الجنة» قلت: وما الراحة؟ قال: «لقاء الله» فلما فرغت منها نزل نسخها.
{ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نجواكم صدقات} أخفتم تقديم الصدقات لما فيه من الإنفاق الذي تكرهونه {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ} ما أمرتم به وشق عليكم {وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ} أي خفف عنكم وأزال عنكم المؤاخذة بترك تقديم الصدقة على المناجاة كما أزال المؤاخذة بالذنب عن التائب عنه {فَأَقِمُواْ الصلاوة وَءَاتُواْ الزكاوة وَأَطِعُواْ الله وَرَسُولِهُ} أي فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وسائر الطاعات {والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} وهذا وعد ووعيد.